الهيمنة الموجودة على العالم ليست فقط هيمنةً أمريكية.. صحيحٌ أنّها مركز الهيمنة الرئيسي على العالم وتدور في رحاها جميع القوى الأخرى ضمن ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، ولكنّ بقايا الدول الاستعمارية العظمى مثل الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية ما تزال تستعمر دول العالم وتستعبدها إلى اليوم، ومن أبرزها سيكون بالطبع فرنسا.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، هناك 14 دولة أفريقية ملزمة من فرنسا، من خلال اتفاق استعماري، على وضع 85% من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي تحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية. حتى الآن، توجو و13 دولة أخرى ملزمة بدفع ديون فترة الاستعمار الفرنسي لفرنسا. القادة الأفارقة الذين يرفضون يقتلون أو يكونوا ضحايا انقلاب عسكري. وأولئك الذين يطيعون الأوامر يكافؤون ويدعمون من فرنسا، وينعمون بحياة رغدة، بينما يغرق شعبهم في بؤس وفقر مدقع.
إنه لنظام رديء؛ فقد نال الاستنكار من الاتحاد الأوروبي ذاته، لكن فرنسا غير مستعدة للانتقال من ذلك النظام الاستعماري الذي وضع قرابة 500 مليار دولار في خزانة الدولة الفرنسية من مستعمراتها الأفريقية عامًا بعد الآخر.
حاول العديد من الرؤوساء الإفريقيين الانفصال عن فرنسا وسياساتها الاستعمارية وهيمنتها.. ولكنهم تمّ اغتيالهم أو الانقلاب عليهم، ومن بينهم:
سيكوو توري رئيس غينيا عام 1958، قرر التحرر من الاستعمار الفرنسي، واختار استقلال دولته، غضبت النخبة الاستعمارية الفرنسية في باريس، وللتعبير عن غضبهم الشديد قامت الإدارة الفرنسية بتدمير كل شيء في غينيا له علاقة بالاستعمار الفرنسي قد يمثل امتيازات الاستعمار الفرنسي على حد قولهم، بهذه الصفاقة!
غادر ثلاثة آلاف فرنسي غينيا، حاملين كل ما يمكنهم حمله من أملاكهم ومدمرين لكل ما لا يستطيعون حمله، كالمدارس، وحضانات الأطفال، والمباني الإدارية كلها تم تفتيها؛ كذلك السيارات، والكتب، والأدوية، ومعدات مراكز الأبحاث، والجرارات الزراعية تم سحقها وتخريبها؛ أما الخيول، والأبقار في المزارع تم قتلها، والطعام في المخازن تم حرقه أو تسميمه.
كانت فرنسا من هذه الأفعال تريد إرسال رسالة إلى المستعمرات الأخرى: إمّا الاستعمار وإمّا الموت !
خاف جميع الزعماء الإفريقيين مما حصل، ولم يمتلك واحد منهم بعد أحداث غينيا الجرأة لإعادة ما فعله سيكوو توري، الذي كان شعاره:
“نحن نفضل الحرية في فقر عن الترف في ظل العبودية”
– سيلفانوس أوليمبيو، أول رئيس منتخب لجمهورية توجو، دولة صغيرة في غرب أفريقيا، وجد حلًّا وسطًا مع فرنسا، لم يكن يريد لدولته أن تستمر تحت السيادة الفرنسية، وبناء على ذلك رفض التوقيع على اتفاقية استمرارية الاستعمار التي تقدم بها شارل دي جول الرئيس الفرنسي حينذاك، لكنه وافق على دفع دين سنوي لفرنسا ما يعرف بالاستفادات من المستعمر، وصلت لـ40% من الناتج القومي عام 1936م، ولكنّه أوقف التعامل بعملة الفرنك الأفريقي، وقام بصكّ عملة جديدة، وفي 13 يناير 1963، ثلاثة أيام بعد البدء في طباعة العملة الجديدة، قام مجموعة من الجنود المدعومين من فرنسا بقتل أول رئيس منتخب. أوليمبيو قُتِل على يد شخص يُدعى “إتيان إياديما” (نياسينبي إياديما فيما بعد) وهو عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي برتبة رقيب، وحصل على مكافأة قدرها 612 دولارًا أمريكيًّا من السفارة الفرنسية في توجو عن مهمته كقاتل مأجور، كان يحلم أوليمبيو ببناء دولة مستقلة ومكتفية ذاتيًّا، لكن الفرنسيين لم تعجبهم الفكرة.
– في 30 يونيو 1962، موديبا كيتا، أول رئيس منتخب لجمهورية مالي، قرر الانسحاب من عملة الفرنك الأفريقي التي كانت مفروضة على 12 دولة أفريقية مستقلة حديثًا. بالنسبة للرئيس المالي، الذي كان يميل أكثر إلى اقتصاد اشتراكي، كان من الواضح له أن اتفاقية استمرارية الاستعمار مع فرنسا كانت فخًا، وعـبئًا على تنمية الدولة.
– في التاسع عشر من نوفمبر 1968، كقرينه أوليمبيو، كيتا سوف يكون ضحية انقلاب عسكري مُنفذ من قبل عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي، الملازم موسى تراوري.
– في الأول من يناير 1966، قام جان بيدل بوكاسا، عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي، بتنفيذ انقلاب ضد ديفيد داكو، أول رئيس منتخب لجمهورية أفريقيا الوسطى.
– في الثالث من يناير 1966، موريس ياموجو، أول رئيس منتخب لجمهورية فولتا العليا – جمهورية بوركينا فاسو الآن – كان ضحية انقلاب تم تنفيذه من قبل أبي بكر سانجوليه لاميزانا، أيضًا عضو سابق في الفيلق الأجنبي الفرنسي والذي قاتل مع القوات الفرنسية في إندونيسيا والجزائر ضد استقلال هذه الدول.
– في السادس والعشرين من أكتوبر 1972، ماثيو كيريكوو الذي كان يعمل حارسًا أمنيًّا للرئيس هوبرت ماجا، أول رئيس منتخب لجمهورية بنين، نفذ انقلاب ضد الرئيس بعد أن درس في الكليات العسكرية الفرنسية في الفترة من 1968 حتى عام 1970.
في الواقع، خلال الخمسين سنة الأخيرة، بإجمالي 67 انقلابًا تم في 26 دولة في أفريقيا، 16 منهم حدثت في مستعمرات فرنسية سابقة، بما يعنى أن 61% من الانقلابات حدثت في دول أفريقيا الفرانكفونية (التي تتحدث اللغة الفرنسية بسبب استعمارها من قبل فرنسا):