تلك المنطقة ذاتها هي التي يريدها الأسد والروس لتأمين مواقعهم في اللاذقية ومن ثم طرطوس إلى جنوبها، لا سيما وأنها ستزيد من الضغط على حلب وتؤمن تمامًا كل الساحل السوري حتى الحدود التركية لصالح النظام، وهي نقطة تفسر الصراع الشديد بين الطرفين والذي كان متوقعًا أن يتفاقم بأي شكل، لا سيما مع نزوح حوالي 1700 تركماني مؤخرًا من بيوتهم في اللاذقية وإلى جنوب تركيا، وهو ما تعتقد تركيا أنه تكثيف للضغط مقصود من جانب نظام الأسد لكيلا يعود أبدًا هؤلاء التركمان إلى بايربوجاق وبالتالي يتم توطين عائلات علوية موالية للأسد في أماكنهم، وهو خط أحمر بالنسبة لتركيا.
الطائرة الروسية التي مرت اليوم لوقت قصير عبر ولاية هطاي لم تكن بالتبعية كأي طائرة روسية اخترقت المجال التركي فقط، بل وكانت تقصف جزءًا مما يعتبره البعض في تركيا “أرض الوطن”، وتستهدف الأقلية التركمانية العزيزة على أنقرة وليس مجرد فصيل من فصائل المعارضة السورية، وهو ما يفسر عدم ضبط النفس من جانب القوات التركية هذه المرة، وقيامهم بإسقاط الطائرة، وهو تصعيد لعله كان متوقعًا من جانب الروس الذين أطلقوا العنان لتصريحات نارية بغية تصعيد خطابهم، غير أن مصير ذلك التصعيد على الأرض غير معلوم بالنظر لحماية حلف الناتو التي تتمتع بها تركيا، وقد يتوقف فقط عند تسجيل موقف دبلوماسي قوي.
من جانبها، ستحاول تركيا التعجيل بمسألة خلق المنطقة الآمنة والسماح لكافة الفصائل القومية حتى المتطرفة منها داخل تركيا بالحشد لدعم التركمان، كما جرى بالأمس حين أعلن حزب الاتحاد الكبير القومي التركي عن إرسال مقاتلين متطوعين لبايربوجاق، حماية لتلك المنطقة قبل أن تستنزف تمامًا العملية الروسية ويضطر الجميع للجلوس على طاولة المفاوضات، فالروس والأسد يريدون الجلوس على الطاولة وهم يثقون تمامًا بالهيمنة على ولايتي الساحل؛ اللاذقية وطرطوس، وهو ما يريدون تحقيقه سريعًا بالعملية العسكرية الروسية، ومن ثم الاتجاه مباشرة للمسار الدبلوماسي لتحقيق أكبر انتصار ممكن، وهو نفسه ما لا تريده تركيا، والتي لعل إسقاطها للطائرة اليوم محاولة للتعجيل بالجلوس على الطاولة أكثر حتى مما يتيح للروس أن يحققوا ما يريدونه داخل سوريا، وليس فقط لحماية التركمان.
على أي حال، الصراع السوري في طريقه للتصعيد بشكل عام لا التهدئة بالنظر لعدم رضا كافة الأطراف عن مواقعهم على الأرض ورغبتهم في توسيع نطاق نفوذهم، فالإيرانيون يعينون الأسد لاستعادة حلب، والروس يعينونه لانتزاع جبل التركمان وغيره، بينما يحاول الأتراك تشكيل منطقتهم الآمنة، ويحاول الأمريكيون عبثًا حشد كل هؤلاء في تحالف ضد داعش، وهو الفصيل الذي لا يكترث الأسد أو إيران لوجوده بالنظر للضغط الذي يمثله على الثوار، ولا تركيا أيضًا بالنظر للضغط الذي تشكله داعش على الأكراد، مما يشي بتفرق المساعي بشكل كبير سيزيد حتى بعد حادثة اليوم ويعقد الجهود الأمريكية بتوحيد الصف ضد “الإرهاب،” وكُل هنا يغني على ليلاه ويحشد لمواجهة “إرهابه” هو كما نعرف.
الحرب العالميه الثالثه على الابواب
اربطو الاحزمه