بقلم الكاتب الأديب

دكتور جمال محمد
طالوت … و القافزون من السفينة :
==================
قرأنا جميعا هذه الآيات الكريمات من قصة بني اسرائيل , ” ألم تر الي الملأ من بني اسرائيل من بعد موسي إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله , قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا , قالوا و ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله و قد أخرجنا من ديارنا و أبنائنا , فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم , و الله عليم بالظالمين . و قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا , قالوا أني يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه و لم يؤت سعة من المال , قال إن الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم , والله يؤتي ملكه من يشاء , و الله واسع عليم .”
كم جال في خاطري ذلك التشابه الذي يفرض نفسه , بين إختيار الله لطالوت الذي آتاه الله البسطة في العلم , و بين الإختيار الرباني للدكتور محمد مرسي , الذي آتاه الله أيضا البسطة في العلم , الحافظ لكتاب ربه , الذي رباه في مدرسة ربانية علي العقيدة السوية والتوحيد المطلق لله بلا شائبة , لا يتحدث إلا بآيات الله , و يسترسل بحديث من القلب الذي ملئ قرآنا , بغير ورق مكتوب ,… في توقيت كانت كل المؤشرات توحي بفوز مرشح حزب الشيطان , وربك المعز المذل يؤتي ملكه من يشاء وينزعه عمن يشاء .
.
فماذا كان من فئة من المصريين بعد ذلك !! .. للأسف لم يأخذوا العبرة من قصص بني اسرائيل , و لم يفرحوا بأول رئيس مدني منتخب , حافظ لكتاب الله , متواضع لله وللمؤمنين , نظيف اليد , ( و لو فاز شفيق لكان بقدر الله أيضا ) , وبعد ثورة ( أو نصف ثورة ) , كان المصريون يحلمون بصندوق انتخابات نزيه ,فاذا هم أول الكافرين به كبني اسرائيل , بل وتشرزموا , وكأنهم لم ينسوا عبادتهم للعجل السنين الطوال , فإذا هم يعيدوه …” و أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ” , فرأينا من يسير بالبيادة فوق رأسه بل ويعلم أبناءه تقبيلها , معظما لها و كأنها العجل , ثم إذا به ينسي العقل والتدبر , ويسير وراء الكذبة والفرية من إعلام المسيح الدجال ويصدقها , مكذبا حقائق يراها رأي العين , تماما كصفات بني اسرائيل , ..” سماعون للكذب , أكالون للسحت ” , و سماعون صيغة مبالغة , أي أنهم يبحثون عن الفرية و يتحرونها و يسعدون بها و يصدقونها حتي لو كانت منافية لأبسط أسباب المنطق , بالله عليكم أليست هذه صفات كل عبيد البيادة تقريبا ؟؟!!.
لم يتكرر ذكر صفات بني اسرائيل من خلال القصص , إلا ليبين الله لنا أسباب سخطه عليهم بعد الإصطفاء , محذرا لنا من الوقوع فيما وقعوا فيه من الغي , ولم ينتبه أغلب الناس الي تلك الآية …” و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين ” ….. فوقع الناس فيما وقع فيه بنو اسرائيل من أخطاء ( نفصلها تفصيلا في سياق قصة موسي و فرعون ) وعبادة للعجل , , أخطاء و صفات إتصفوا بها , إستوجبت سخط الله عليهم و إستوجبت وقوعهم في ” التيه” , الذي يعاني جيلنا علي الأخص منه , و لذلك تري أغلب مؤيدي السيسي من جيل المعاشات مدمني الشيشة والطاولة علي المقاهي , هؤلاء أدمنوا عبادة العجل وتقديسه , و ان شاء الله آن أوان إستبدالهم بفئة مؤمنة ثابتة علي الحق , ثبتت بعد الإنقلاب الغاشم , لم يؤثر فيها إعلام الدجال و لا ما لا ينفك يطرأ من أعاصير و أحداث عظام , و لا قتل و لا ترويع و لا سجون , و لكن …..هل ثبتت كلها ؟؟
الله تعالي هو المعز المذل , يؤتي ملكه من يشاء و ينزعه عمن يشاء , فلا يوجد إمام عادل و لا طاغية مستبد أوتي ملكه إلا بقدر الله عز و جل , و في كل ابتلاء و تمحيص للناس . و لكن إصطفاء الله لإمام ما ( و هو من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله) لا يكون إلا بالعلم , وهذا هو سبب إصطفاء الله لطالوت , وكان هذا هو سبب إعتراض بني اسرائيل ” قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه , و لم يؤت سعة من المال ” , كما إعترض الكثير من المصريين علي عبد الله , العالم , الحافظ لكتاب الله محمد مرسي , الذي تربي في مدرسة إيمانية..مدرسة القرآن..علي الإيمان الحق والعقيدة السوية ,الذي يصلي في جماعة , والذي قرب إليه العلماء , و أختاروا ذا السطوة الجبار الكذاب السفاح , الذي قرب إليه أهل المجون و الفسق ( حتي الراقصات أمهات مثاليات ) , و المنافقين والفسدة .
تكملة للقصة , يقول ربنا عز وجل ” فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده , فشربوا منه إلا قليلا منهم , فلما جاوزه هو و الذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده , قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله , و الله مع الصابرين ” .
قيل أن جند طالوت كانوا حوالي خمسين ألف , وقيل كانوا ثمانين ألفا , لم ” يثبت ” منهم إلي النهاية إلا ثلاثمائة و إثني عشر شخصا , ظلوا مربوطين بحبل الله متمسكين به……….وهذا من أهم شواهد القصة.
شاءت إرادة الله عز وجل ألا يتم النصر إلا علي أيدي أكثر الناس إيمانا , ” الذين يظنون أنهم ملاقوا الله” , والظن هنا بمعني اليقين , بل و نفهم من ذات السياق أن من تخلف لم يكونوا من الظانين أنهم ملاقوا الله يقينا , و هاهي الفتن تستمر إلي ما قبل النصر و لا تتوقف , و لنا فيما يحدث حولنا العبرة ممن تخلف عن الركب , وقفز من السفينة من أشخاص بعينهم أو فئات غيروا من مواقفهم الداعمة للشرعية أو توجهاتهم , فقد تخلف عن طاولة الجيش كله , بل هي البشري كل البشري , كلما تخلف ركب ………….أن النصر بات قريبا جدا , و قد عبرنا النهر و لم نشرب , فقط نسأل الله الثبات علي الأمر .
والآيات في سنة التمحيص كثيرة , نذكر منها :
_ ” أم حسبتم أن تتركوا و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و لم يتخذوا من دون الله و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة , و الله خبير بما تعملون .”
_ ” ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب , و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب……الآيات .”
_ ” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم , مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتي يقول الرسول والذين ءامنوا معه متي نصر الله , ألا إن نصر الله قريب.”
ثم تتوالي الآيات الكريمات في سرد القصة المعبرة , ” و لما برزوا لجالوت و جنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا و ثبت أقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين . فهزموهم بإذن الله و قتل داود جالوت و ءاتاه الله الملك و الحكمة و علمه مما يشاء , و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل علي العالمين.” .
يعلمنا الله عز و جل ألا ننسي التمسك بحبله و لو للحظة ( فضلا راجعوا المقال السابق ) , و أن يكون دأبنا الدعاء , مع الصبر و الثبات علي الأمر , و الثقة في موعود الله لعباده ( المؤمنين ) ,…..كما نحن الآن نعاني مما نعاني , و مهما تخلف الناس عن الركب وقفزوا من السفينة , فما دام الحبل موصولا برب الأسباب , فالنصر آت لا محالة , و بأقل العدد , وبكيفية لم تكن ليتوقعها أحد , من رب قوي عزيز جبار , بريحه هزم الأحزاب وحده , وثبت المؤمنين بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا .
و هنا نسأل سؤالا يوضح الأمر , من كان يظن أن النصر سيأتي عن طريق داود وبقتل جالوت بالمقلاع و له قصة معروفة ؟؟ , لا أظن أن داود نفسه كان يعلم ذلك الأمر , وانما إنقاد من بقي مع طالوت لأوامر الله من أخذ بالأسباب مع صدق التوكل مع اليقين بالله والدعاء , لتنطبق عليهم السنة الربانية الباقية الي قيام الساعه , فأتاهم النصر من حيث لم و لن يحتسبوا..” و كان حقا علينا نصر المؤمنين.”
فوائد مستفادة من قصة طالوت :
—————————–
1 – إصطفاء الله للفئة المؤمنة المنتصرة يكون بصدق الايمان والعلم.
2 – إستمرار الإبتلاء و التمحيص حتي لحظة النصر .
3 – النصر لا يتحقق بسبب كثرة عدد , و لا يأتي إلا بإذن من الله , في توقيت محدد و كيفية محددة , لا يعلمها إلا الله الحكيم ( الذي يضع الأمر في موضعه ) .
4 – من أهم أسباب النصر الدعاء و الثبات علي الحق , وصدق اليقين بالله , متطلبا …عدم إمعان التفكير في ( كيفية و لا توقيت النصر ) .
5 -تخلف البعض عن الركب والقفز من السفينة , إنما هو من بشائر قرب النصر( فأبشروا ).
6 – النصر يتحقق بكيفية لا يعلمها إلا الله , وعن طريق أضعف الأسباب , و أكرر , فلا تشغلننا كثرة التفكير في الأسباب , تؤثر سلبا علي تعلقنا برب الأسباب .
و لنعيد سويا قراءة هذه الآيات المبشرات من سورة آل عمران وكأننا نعيشها …….” هذا بيان للناس و هدي و موعظة للمتقين . و لا تهنوا و لاتحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين . إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء , و الله لا يحب الظالمين . و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين .أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين .”.
” و الله غالب علي أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .”
مقال اكثر من رائع كما عودتنا يا دكتور جمال جزاك الله عنا خيرا
رائع جزاك الله خيره
مقال اكثر من رائع وعبره منه ان يمشى على الطريق الحق الواضح الثابت يصل الى مااراده الله لانها سنه كونيه من سار على درب الله وصل
جزاك الله الف الف خير
أن يكون دأبنا الدعاء , مع الصبر و الثبات علي الأمر , و الثقة في موعود الله لعباده ( المؤمنين ) ,…..كما نحن الآن نعاني مما نعاني , و مهما تخلف الناس عن الركب وقفزوا من السفينة , فما دام الحبل موصولا برب الأسباب , فالنصر آت لا محالة , و بأقل العدد , وبكيفية لم تكن ليتوقعها أحد , من رب قوي عزيز جبار , بريحه هزم الأحزاب وحده , وثبت المؤمنين بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا . اللهم ارسل لنا العون من عندك حتى نبصر بالصبر وباليقين ولاتجعلنا فتنه او قانتين من رحمتك يالله اللهم نصرك الذى وعدت
بارك الله فيك يادكتور جمال وجزاك الله عنا كل الخير احسنتم كعادتكم واراكم من احسن من يكتبون فى مجال الربط بين الواقع والقصص القراني . تحياتي
بارك الله في حضرتك دكتور جمال واري حضراتكم من احسن الكتاب التي تربط الواقع بالقصص القراني .. ارجوكم الاستمرار
وكان حقا على الله نصر المؤمنين ، اتضحت الآية بقوة في هذا التفسير الرائع ، فهل راجعنا مستوى إيماننا مع مراد الله حتى نصبح مؤمنين حقا ثم ينصرنا الله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل وافقت تصرفاتنا شروط العقيدة السليمة ؟؟؟؟؟؟
هل نحن “نظن” أننا مؤمنين على مراد الله و سنة رسوله ؟؟؟
أسئلة خطيرة يجب الإجابة عنها حتى نجد موطئ لقدم في عالم المؤمنين الذين حق على الله نصرهم.
رائع.. جزاك الله خيرا