دنيا ودينكتاب وادباء

سورة الأنبياء…والبشرى العظمى

من روائع الكاتب

الدكتور جمال محمد

—————–

          أقسم الله عز و جل في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه قسوما عديدة , فأقسم بذاته تقدست أسماؤه و علت صفاته و كملت , ( فلا و ربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ) , ( فورب السماء و الأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) , و أقسم بالرسول عليه الصلاة و السلام , ( لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون ) , و أقسم بالزمن ( الليل , الفجر , الضحي ) , و أقسم بمخلوقاته ( الشمس , القمر , النجوم ) .. و يأتي القسم دائما ليس فقط للاشارة الي أهمية المقسم عليه , و لكن أيضا لبيان تأكده و تحققه وقوعا يقينيا لا لبس فيه صدقا و يقينا , فهو قسم الله عز و جل , الواجب علينا النظر فيه بتمعن و تدبر شديدين , يتحولا الي واقع نعيش فيه و من خلاله يغير نظرتنا الي الكثير من الأمور .

سورة الأنبياء :

—————

     لتأكيد نفس تلك المعاني السابقة المقصودة من القسم , و من خلال سورة الأنبياء , ذكر الله آيتين معجزتين الي قيام الساعة , مخاطبا المؤمنين و الكافرين , لتتأكد البشري و الغرض من خلق الكون في الأساس , و تثبيتا من الله لعباده المؤمنين مهما ضاقت الأحوال و كثرت الفتن و المحن , فهناك سننا ربانية في الكون ثابتة و يقينية , لا تتغير أبدا . .

الآية الأولي :

—————

 ” أو لم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقا ففتقناهما و جعلنا من الماء كل شئ حي , أفلا يؤمنون ” , أخبر الله كيفية خلق الكون , نظرية الانشطار أو الانفجار العظيم و هو ما يعرف

BING BANG THEORY

,و التي لم يتم التوصل اليها و لا اكتشافها الا منذ عدة عقود , و المعجز أيضا أن الخطاب موجه “ للذين كفروا ” , فالله عز و جل بعلمه الأزلي , علم أن من سيكتشف هذا الأمر هم من الكافرين .

الآية الثانية :

————–

يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب , كما بدأنا أول خلق نعيده , وعدا علينا انا كنا فاعلين “.

أوضح الله كيفية خلق و انتهاء الكون قبل أينشتاين و غيره بأربعة عشر قرنا من الزمان , و كيف أن الكون سيبدأ بالانكماش حتي يعود الي بدايته قبل الانفجار العظيم , ثم يحدث الانفجار الآخر , يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات . و يأتي هذا الأمر كما أسلفنا لتبيان الغرض الالهي من خلق الكون في الأساس , و ما يحمله من بشري مؤكدة لا شك فيها لعباده ( المؤمنين ) , لتأكيد و قوعه تحققا يقينيا لا لبس فيه … لكن بشروط ربانية , نعرج عليها من خلال عدة نقاط نبحر فيها في آيات تلك السورة العظيمة ماسكين بمجاديف التجرد و الخشوع الي الله عز و جل , و من خلال عدة نقاط .

1 – ازالة الغفلة من القلوب , لتيقن تحقق موعود الله عز و جل …” اقترب للناس حسابهم و هم في غقلة معرضو ن “.

2 – كيفية خلق الكون  من خلال الايتين المعجزتين , لتأكيد تحقق السنة الربانية و البشري يقينا .

3 – الغرض من خلق الكون , ” ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما لاعبين ” , فخلق الله عز و جل الكون بالحق  الرعاية = السنن الكونية , و الحكمة = صراع الحق و الباطل , و انتصار الحق علي الباطل دائما ). )

فكأن خلق الكون ما هو الا ساحة لعبادة الله في الأساس ( و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون ) , و لصراع الحق و الباطل الأزلي منذ سيدنا آدم عليه السلام , و الأنبياء الكرام هم رأس الحربة في وجه الباطل بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون ” , بما أنزل الله عليهم من كتب سماوية , هم و من تبعهم و اتبع الهدي الذي جاءوا به , من خلال الوحي الالهي , و الوقوف الي جانب الحق ضد الباطل , لا يكون الا باكتمال صدق اليقين بالله و التوكل عليه , اتباعا للنهج الرباني المنزل علي الرسل , رأس الحربة ضد الباطل , هو قمة تلك العبادة , و لذلك كان الجهادرأس سنام هذا الدين . .

4 – البشري العظمي :

و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين “.

 و هنا يأتي مربط الفرس فيما عنيته من كتابة هذا المقال في الأساس , فوراثة الأرض لعباد الله الصالحين لها شروط , من يحققها ..تتحقق معه السنة الربانية و البشري اليقينية الي قيام الساعة بوراثة الأرض لعباد الله الصالحين , و انتصار الحق علي الباطل دائما مهما علا شأنه ” قل ان ربي يقذف بالحق علام الغيوب . قل جاء الحق و ما يبدئ الباطل و ما يعيد ” . ( سبأ : 48:49).

فكان ذكر الله لتلك الآيتين في أول السورة و آخرها , لتأكيد نفس الغرض من المقسم عليه بالقسوم المختلفة , من تأكد وقوع نصر الله لعباده المؤمنين يقينا و صدقا لا ريب فيه و لا لبس فيه , سنة ربانية الي قيام الساعة , و بيان أهمية ذلك ( البلاغ ) الي عباد الله العابدين , لبيان شروط تحقق تلك البشري , من لدن رب الأسباب .

شرط تحقق البشري و وراثة الأرض :

=====================

  يبلغ الله عباده الصالحين بأن وراثة الأرض انما هي للقوم العابدين فقط , فما هو مفهوم تلك العبادة كما يجب أن تكون و يرضي عنها الله عز و جل , تلك العبادة التي تورثهم الأرض يقينا لا لبس فيه ؟

كنت قد بينت هذا الأمر تفصيلا العام الماضي في مقال ( موسي و فرعون و عباد العجل ..الجزء الثاني ) علي الموقع , و أعيد هنا هذه الخطوات العملية , التي هي واقع العبادة الحقة و التي يجب البدأ بها ( قبل ) الأخذ بالأسباب حتي لا يفهم كلامي علي محمل الخطأ :

1 – الصلاة :

———–

و أوحينا الي موسي و اخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا و اجعلوا بيوتكم قبلة و أقيموا الصلاة , و بشر المؤمنين “.

فبداية البشري مع ( اقامة الصلاة ), و ليس مجرد ( الصلاة ) , بما تشمله من تذلل و تضرع و توسل و لجوء الي جناب الله , طرقا علي بابه حتي يرضي , مع عدم التفكير في أي أسباب أخري في حينها , أو أثنائها تؤثر علي صدق ذاك الخشوع و اللجوء الي الله . و ها هو شعبان قد أهلنا , نتعاهد علي قيام الليل فيه , نطيل القيام و الدعاء في القنوت , و قد خضبت الدموع الوجوه و اللحي , فلا ملجأ و لا منجي من الله الا اليه .

 2 – الدعاء :

أمر من الله لنا بالدعاء , “ و قال ربكم ادعوني أستجب لكم , ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ” , كما قال الرسول عليه الصلاة و السلام ( الدعاء هو العبادة ) , متنسمين أوقات اجابة الدعاء في السجود و القنوت و الدعاء في الثلث الأخير من الليل , مع تحري أوقات اجابة الدعاء كيوم الجمعة , هذا الأمر الذي طالما وصفته في مقالات مختلفة سابقة , ” بالسلاح السري ” الذي لا يملك الانقلابيون معه أي سلاح دفاعي , بل و لا يلقون له بالا, فأولئك قوم نسوا الله فأنساهم أنفسهم .

قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون “.

3 – الصبر :

————-

يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة , ان الله مع الصابرين

و الصبر لا يتأتي الا مع ( اليقين ) من نصر الله اذا حققنا شروطه الايمانية , ” و كان حقا علينا نصر المؤمنين

وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها , و تمت كلمة ربك الحسني علي بني اسرائيل ( بما صبروا ) , و دمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون “.

و نحمد الله عز و جل أننا صابرون محتسبون الي الآن , واثقون من نصر المولي عز و جل لأهل الحق , و هذا الصبر في حد ذاته هو نصر لنا أن ثبتنا الله علي الحق و أن أرانا الحق حقا .

و والله اني لأري النصر سيتأتي بذلك الصبر خاصة الثابتون علي الحق ممن في السجون يعانون ما يعانون , و ما زالوا صابرين محتسبين متمسكين بحبل الله , يقيمون ليلهم , و أغلبهم حفظ القرآن بل و درس القراءات في سجنه , و علي رأسهم الرئيس الشرعي فك الله أسره .

4 – حسن التوكل علي الله :

————————-

وقال موسي ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين . فقالوا علي الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين . ونجنا برحمتك من القوم الكافرين .”

حسبنا الله و نعم الوكيل سلاحنا السري , قالها الأنبياء و قالها الرسول عليه الصلاة و السلام في الغار , و قالها الصحابة , فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله , و الله ذو فضل عظيم  .

و المفهوم الحقيقي لصدق التوكل و حسن التوكل لا يلغي الأخذ بالأسباب و لكن , يأتي ذلك الأخذ بالأسباب بعد تحقيق الشروط الأربع السابق ذكرها , فما كانت الأسباب تحق نصرا الا بالله , و يرجي للضرورة القصوي قراءة مقال ( موسي و التسع آيات و التسريبات ) علي الموقع , فيها الشرح الكافي و الشافي علي ماهية التوكل قبل الأخذ بالأسباب .

 فالله الوكيل هو الذي يكمل النقص في أية تدابير بشرية و أخذ بأسباب , دائما يشوبها القصور , فتتنزل أسباب بغير حول منا و لا قوة , بل و يوجد الله أسبابا و يفعلها في حينها لم تدر ببال أي بشر حتي الرسل , كشق البحر و الريح في غزوة الخندق , و شاهدي علي ذلكبيع الجزر و الحرائق العديدة , ساقها الله أسبابا لفضح الخونة الانقلابيين , و علي رأسهم السيسي ..عجلهم الذهبي , و آيات بينات لمن كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد , و دليلا علي الخيانة العظمي و آخرها المطالبة بذلك “ السلام الدافئ” مع الصهاينة أعداء الرسل و قتلة الأنبياء و الملعونين الي قيام الساعة .

الخلاصة :

=======

تحقيق الشروط الأربع السابق ذكرها هي طريق النصر , في الأساس ( قبل ) الأخذ بالأسباب , و أيضا ( بعد ) الأخذ بالأسباب .

و أقول تصورا شخصيا , ليكون شاهدي علي مر الأيام , أري أن النصر سيتحقق بأسباب ربانية بحتة , لم تخطر ببال أحد , بل و قد يكون بلا مقدمات نعرفها , ليكون سقوط الانقلابين مدويا , لا تقوم لهم قائمة بعده أبدا باذن الله ,اذا حثثنا الخطي نحو الله عز و جل , بلا حول منا و لاقوة , ليرينا الله في أولئك القوم آياته كما أخبرنا في سورة النحل و التي أولها ” أتي أمر الله فلا تستعجلوه ” , ” قد مكر الذين من قبلهم فأتي الله بنيانهم من القواعد فخر عليهما السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون “.

استشعروا هذه الآية بشدة و صدق و يقين , و حققوا شروط تحقق النصر لعباد الله العابدين , تتحقق البشري بحول الله و قوته ان شاء الله …و من أصدق من الله قيلا , و من أصدق من الله حديثا , و والله اني لأراها قريبة جدا ان شاء الله , ليكون رمضان القادم فيه تحقق البشري و يكون أسعد رمضان مر علينا جميعا .

” انهم يرونه بعيدا و نراه قريبا “.

شيئان توقعت حدوثهما يبشران بقرب سقوط الانقلاب و كتبت هذا منذ عام :

————————————————————-

1 – انكشاف فشل المشاريع الفنكوشية خاصة قناة السويس ( اللي بيشحتوا عليها الآن ) .

 2 – وصول الظلم الي كل من أيد السيسي ( من أعان ظالما , سلطه الله عليه = سنة ربانية ) , و قد حدث و يحدث بتسارع واضح , بدءا من تكرر حوادث قتل أفراد من الشعب الآخر بيد أمناء شرطة و ضباط , و غلاء مطرد للأسعار طالت الكل خاصة رجال الأعمال مع توقف آلاف المصانع و تشريد عامليها , مرورا بأحداث نقابة الصحفيين المؤيدة للانقلاب منذ يومه الأول , و انتهاء بحرق العتبة و غيرها و وصول الظلم الي الموطنين الشرفاء , و ننتظر .

الدعاء … ثم الدعاء ..ثم الدعاء , لا تنسوا سلاحنا السري في هذه الأيام المباركات , و أروا الله منكم خيرا من حسن لجوء الي الله , و قنوت و تضرع و تذلل لرب الأسباب , نلوذ بجنابه و نطرق بابه , فما لنا سواك يا الله , و ليس لها من دون الله كاشفة .

وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا , يعبدونني لا يشركون بي شيئا , و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون “.

هذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد اذا صدقناه و أحسنا عبادته و أخلصنا و صدقنا في حسن التوكل عليه , و أراه نصرا علي الأبواب و فوق الرؤوس , ألا ان نصر الله قريب .

اللهم لا تبلغ عبد الفتاح السيسي و زمرته رمضان , اللهم لا تبلغ بشار الأسد و زمرته رمضان .

اللهم أرنا فيهم آياتك اله الحق و أرنا فيهم أياما كأيام عاد و ثمود .

اللهم لا تبلغهم رمضان الا خزايا و مفضوحين , انتقاما لأوليائك .

اللهم انصر دينك و كتابك و سنة نبيك و عبادك الصالحين , و ثبت ولي أمرنا و رئيسنا الشرعي القانت العابد الحافظ لكتابك و رده الينا سالما .

( و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . ان في هذا لبلاغا لقوم عابدبن ) .

الله أكبر .. الله أكبر علي من طغي و تكبر .

 

‫23 تعليقات

  1. حجم هائل من الطاقة الإيجابية امتلئت به هذه المقالة ، و كلمة السر في قوله تعالى ” أن الأرض يرثها عبادي الصالحون “

  2. جزاك الله خيرا , فهذا بالفعل وقت صدق اللجوء الي الله في هذه الأيام المباركات , نتوجه فيها الي الله , فليس لنا سواه اله ندعوه , و لا رب سواه نرجوه و نتوسل اليه و نتذلل اليه و نتضرع اليه و نلوذ بجنابه و نطرق بابه , و ان شاء الله نحافظ علي قيام الليل و لو بركعتين استعدادا لرمضان , ندعو في قنوتنا , و لن يضيع الله من استجار بجنابه .
    حسبنا الله و نعم الوكيل و كفي .

  3. مقال في وقته يادكتور .. شامل وكامل ومبدع كعادتك .. وقبل دخول رمضان بأيام .. لعل الذكري تنفع المؤمنين

  4. ما شاء الله عليك يا دكتور . زادك الله من علمه .
    مقالة رائعة فيها من الإيجلبيات ما يفوق الخيال ويشد من غزم الثابتين .

  5. مقال ممتاز جدا جزاك الله خيرا نعم أخى الفاضل لو حققنا درجة الإيمان بالله واليقين بنصره وحسن التوكل على الله جاء نصر الله
    قال تعالى : ( وأن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)سورة النساء
    بارك الله فيك اخى الفاضل

  6. اراح الله قلبك كما أرحت قلوبنا وازددنا يقيناً بنصر الله لعباده المؤمنين
    والحمد لله علي نِعَمَه الاسلام وكفيٰ لها نِعَمَه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى